السؤال
فضيلة الشيخ:
كيف لنا أن ندلل على أن صلاتنا للتراويح بعشرين ركعة؟ علماً أني أريد
الجواب ليستفيد منه طلبة العلم، وبعض من يُلزمنا بثماني ركعات فقط. جزاكم
الله عنا ألف خير .
الجواب
!!!!!
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فهذه المسألة مما كثر فيه الخلاف في الزمان المتأخر، وكتب فيه بعض أهل
العلم رسائل ما بين راد ومردود عليه، والواجب أن يعلم السائل وكل طالب علم
أنه يسعنا ما وسع الأولين؛ وما ينبغي أن يثرِّب بعضنا على بعض؛ فنحيل رمضان
من شهر للتوبة والاستغفار والتزود من الطاعات، إلى شهر للقيل والقال وكثرة
الخلاف والشقاق.
والدليل على أن الأفضل في صلاة التراويح أن تكون إحدى عشرة ركعة ما رواه
البخاري (3304) ومسلم (1219) من حديث أمنا عائشة رضي الله عنها أن النبي
صلى الله عليه وسلم ما كان يزيد في رمضان ولا في غير رمضان على إحدى عشرة
ركعة.
ومن صلاها أكثر من ذلك فلا حرج عليه؛ استدلالاً بعموم الأحاديث الآمرة
بالإكثار من التنفل؛ كقوله صلى الله عليه وسلم لربيعة بن كعب الأسلمي رضي
الله عنه حين سأله مرافقته في الجنة: { فأعني على نفسك بكثرة السجود؛ فإنك
لا تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة وحط عنك بها خطيئة } رواه مسلم (754).
وحديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { صلاة الليل
مثنى مثنى؛ فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة } رواه الشيخان، البخاري (936،
938 ) ومسلم (1239).
وعلى هذا جرى العمل في القرون المفضلة؛ كما في الموطأ من حديث السائب بن
يزيد قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب في شهر رمضان بعشرين ركعة،
وكانوا يقرؤون بالمئين، وكانوا يتوكئون على عصيهم في عهد عثمان من شدة
القيام} قال النووي في المجموع: وإسناده صحيح.ا.هـ.
ولذلك ذهب الجمهور ـ من أئمة الهدى ـ كأبي حنيفة والشافعي والثوري إلى
أنها عشرون ركعة، وذهب مالك إلى كونها ستاً وثلاثين ركعة، وقال الترمذي:
أكثر ما قيل: إنه يصلي إحدى وأربعين ركعة بركعة الوتر.ا.هـ
وحديث أمنا عائشة عن قيام النبي صلى الله عليه وسلم حكاية فعل غاية ما
يدل عليه الاستحباب، ولا يمنع ذلك من الزيادة، وقد ذهب إلى ذلك الأئمة
المحققون؛ قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: قيام رمضان لم يؤقت
فيه النبي عدداً معيناً بل كان هو لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة
ركعة، لكن كان يطيل الركعات فلما جمعهم عمر على أبي بن كعب كان يصلي بهم
عشرين ركعة، ثم يوتر بثلاث، وكان يخفف القراءة بقدر ما زاد على الركعات؛
لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة، ثم كان طائفة من السلف
يقومون بأربعين ركعة، ويوترون بثلاث، وآخرون قاموا بست وثلاثين و أوتروا
بثلاث، وهذا كله سائغ؛ فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن،
والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين، ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد مؤقت
عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ.ا.هـ.
وعليه فإن من ترجح عنده عدم الزيادة كان له أن يقتصر على إحدى عشرة ركعة،
وليس له أن ينكر على من يرى الزيادة أو يتهمه بالابتداع أو ينفر الناس منه؛
لأن ذلك من الاعتداء، والله لا يحب المعتدين، كما أن من ترجحت عنده
الزيادة فليس له أن ينكر على من اقتصر على إحدى عشرة ركعة، والله تعالى
أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.