قصة من رمضان قبل 30 سنة
في زمن موغل في القدم، ضارب بأطنابه في ثنايا الدهر، قبل ما يقارب الثلاثين عاماً،
كنا في انتظار شهر رمضان ، وفجأة بث في التلفاز خبراً عاجلاً مفادة أن رمضان قد هلاله ، وأن يوم غد سيكون أول أيام الصيام.
بعد ذلك بقليل بث التلفزيون أنشودة مؤثرة كانت تلقيها طفلة رائعة، مطلعها:
هل هلالك يا رمضان ... يا شهر الصدقة والغفران
كانت تلك الأنشودة لذيذة الوقع على مسامعي، شديدة التأثير في نفسي، ولا أعلم لذلك سببا.. .
ولازالت صورة تلك الطفلة وهي تلقي أنشودتها عالقة بذهني، مخزنة في ذاكرتي، لم يمحها تعاقب الأيام، ولم يغيرها مرور السنين ..
ولازالت رنة صوتها ترن في أذني، وتدفيءْ مشاعري .
بعد ذلك كنت كلما هل هلال شهر رمضان أتسمر أمام التلفاز لعلني أظفر بإعادة بث لتلك الأنشودة الرائعة
وقد فعلت ذلك سنوات عدة ، ولم أظفر بما كنت أروم، فقد كانت المرة الأولى هي آخر العهد بها...
ولا أمل الآن في إعادة بثها لأنها كانت في ذلك الزمن بالأبيض والأسود قبل أن يظهر التلفزيون الملون...
هذه مقدمة أحببت أن أدخل منها إلى الحديث عن شهر رمضان المبارك...
أما الآن ونحن ننتظر قدوم شهر رمضان المبارك ، فأني أهني جميع الأحبة، بل
جميع المسلمين بقدوم هذا الشهر العظيم ، وأسأل الله العظيم أن يدخله علينا
بالأمن والإيمان، والرحمة والغفران، والتوبة من العصيان، والفوز برضا
الرحمن ..
وأحب أن أنبه أخواني وأحبتي إلى استغلال لحظات هذا الشهر المبارك فيما
يعود عليهم بالأجر والثواب ، فهو شهر تتضاعف فيه الحسنات ، وتصفد فيه
الشياطين ، وتصفو فيه النفوس ، وترق فيه القلوب ، فيصبح لدى المرء
أستعداداً نفسياً وبدنياً ليقوم بالكثير من الأعمال الصالحة التي كان يظن
أنه عاجز عنها في غير رمضان .
فعلينا أن نستغل الزمن ، ونقبل على العمل ، ما دامت الفرصة مواتية ،
والنفوس مقبلة ، والعافية تامة والإستطاعة حاضرة ، والعجز غائب ، والأعمال
التي يمكن أن يمارسها المسلم فتعود عليه بالأجر والثواب كثيرة تفوق الحصر
، أهمها:
1- أن يكون صومه إيمانا واحتسابا، قال الرسول الكريم عليه السلام: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما
تقدم من ذنبه) قال ابن عثيمين: ( يعني إيمانا بالله، ورضا بفرضية الصوم
عليه، واحتسابا لثوابه وأجره حيث لم يكن كارها لفرضه، ولا شاكا في ثوابه
وأجره؛ فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه )
2-أن يكون صومه خاليا من المكدرات، سليما من الشوائب، فلا يصوم عن الطعام
والشراب، ويفطر بالغبية والنميمة وأذية الناس، وسوء الخلق، وضيق النفس
بحجة أنه صايم؛ فالصيام عبادة تتطلب انشراح النفس، ورضا القلب وسروره بهذه
الطاعة التي أدركها الإنسان، وفاز بأجرها إن شاء الله...
يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم- ( من لم يدع قول الزور والعمل به؛ فليس لله جاحة في أن يدع طعامه وشرابه )
2- أن يقرأ القران، ويكثر من ذلك لشرف الزمان، ومضاعفة الأجر...
قال عليه السلام: اقرؤا القران فلكم بكل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها ....... )
3 - أن يحافظ على قيام رمضان قال عليه السلام: (من قام رمضان إيمانا
واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه ) .. وقال: ( من قام مع الإمام حتى ينصرف
كتب له قيام ليلة )
4 - أن يحرص على كثرة الذكر والاستغفار، وأن يكون لسانه رطبا بذكر الله...
5 – أن يحرص الصدقة في رمضان قال عليه السلام ( أفضل الصدقة صدقة في رمضان )
6 – أن يبادر إلى إطعام الطعام وتفطير الصوام، فلذلك مزية في رمضان، قال
عليه السلام ( من فطر صائما كان له مثل أجره ، غير أنه لا ينقص من أجر
الصائم شيء )
وأخيرا أسأل الله أن يوفقنا جميعا لما يحب ويرضا، ويغفر ذنوبنا، ويستر
عيوبنا، وأن يجعلنا، ممن صام الشهر، وأدرك ليلة القدر، وفاز بالمثوبة
والأجر...
أخوكم في الله:عبدالله بن علي الزهراني